Chasing The Light

وبصفتي الرئيس السابق لمجموعة علوم الأرض في متحف التاريخ الطبيعي في لندن، والرئيس التنفيذي الحالي لرابطة علم الأحجار الكريمة في بريطانيا العظمى، أرى الألماس من منظور العالِم. ولكنّ الألماس الأصفر يتميّز بجاذبية خاصة للغاية.

يوجد في المتحف البريطاني أدراج وأدراج من الألماس الأبيض، ولكنّ الألماس الملوّن يجذب انتباهك. فأنت لا تراه غالبًا، حيث أنّ ألماسة واحدة فقط من كل 10000 ألماسة مكتشفة تكون ملوّنة.

على الرغم من أنّ الألماس عديم اللون يكاد يكون موحّدًا، إلا أنني مفتون بأسباب وجود اللون في الألماس، حيث أنّ لكل ألماسة منها تاريخًا فريدًا من نوعه، سواء كان يتمحور الأمر حول كمية البورون الموجودة في الألماس الأزرق، أو بنية النيتروجين في الألماس الأصفر، أو الإجهاد على الشبكة الجزيئية التي تعطي الألماس الوردي لونه الزهريّ.

كل فارق بسيط من الألوان له قِصته الخاصة التي بدأت في الأرض منذ مليارات السنين. ربما تكون رحلة الألماس الملوّن المصقول من حالته الخام إلى ملاحظة التأثيرات الضوئية واللون النهائي الذي حققه خبير القَطع البارع، هي الرحلة الأطول والأكثر روعة من أي شيء على وجه الأرض.

تكوّنت الغالبية العظمى من الألماس، بما في ذلك الألماس الأصفر، في أعماق الأرض منذ حوالى ثلاثة مليارات سنة، على أعماق تزيد عادةً عن 140 كلم. هنا، في جزء من طبقة الوشاح الصلبة نسبيًا في أعماق الأرض، يتحوّل الكربون تحت درجة حرارة وضغط كبيرين إلى ألماس.

ومع ذلك، فإن الاختلاف الرئيسي في الألماس الأصفر هو تضمين عنصر النيتروجين في بنيته. وهذا يجعل الألماس يمتصّ الضوء في المنطقة الزرقاء من الطيف المرئي، ما ينتج عنه اللون الأصفر الذي نراه.

"تُعدّ الألماسة الصفراء نافذة على طريقة عمل كوكبنا".

عند عجلة قطع الألماس، كل ما نملكه هو أعيننا وبعض الأدوات الأساسية، وعلينا أن نبحث عن اللون حقًا. وكل حجر مختلف ويشكّل مشروعًا بحثيًا بحدّ ذاته.

يستغرق صقل ألماسة صفراء بوزن قيراط واحد حوالى ستة أسابيع ضمن عملية تستغرق ثلاثة أشهر بشكل عام. ولكنّ الألماسة الكبيرة قد يستغرق صقلها عامًا أو أكثر.

نحن نتقدّم ببطء شديد وبرفق، حيث إنّ الألماس الأصفر أكثر شدّة من الألماس عديم اللون بسبب عملية تبلوره، ما يعني أنه يتفاعل بشكل مختلف على عجلة القطع.

من المهم أيضًا مراعاة مصدر الألماس الخام الملون لأنّ الاختلافات الجيولوجية تؤثر على تدرجات الألوان وحدّتها بطرق مختلفة، وعلى كيفية تفاعل الألماس مع عملية الصقل.

يستطيع خبير قطع الألماس المتمرّس أن ينظر إلى ألماسة خام ويقيّم اللون النهائي الذي ستكون عليه. يعود هذا الأمر إلى الخبرة، حيث إننا غالبًا ما ننظر إلى الألماس في المزاد ولا نستطيع أن نلقي نظرة عن كثب على الحجر ولا أن نعرف خصائصه. ولكن حتى مع ذلك، يمكننا تقدير حدّة الألوان ونقاوتها بدقة.

بمجرّد أن يصبح الألماس الأصفر في حوزتنا، نهدف إلى رفع مستوى اللون، من اللون الأصفر المفعم بالأناقة والحدّة إلى الأصفر النابض بالحياة والمفعم بالأناقة، ولكن غالبًا ما يكون الأمر مقامرة وليس علمًا دقيقًا. يوجد داخل كل درجة لونية العديد من الفروقات الدقيقة من حيث الحدّة والدرجات، لذا فإنّ الأمر يتعلق بإيجاد أجمل قَطع لكل حجر.

هذا هو الفنّ القديم لخبير الصقل والتلميع الذي لا يمكن تعلّمه إلاّ من خلال الخبرة.

إنّ نوعية الألماس الأصفر الذي أعمل به استثنائية من حيث اللون والجودة والقَطع والكمية. قليلون هم صائغو المجوهرات الذين يحظون بفرصة التعامل مع هذه التشكيلة الكبيرة من الألماس الأصفر بتدرّجات لونية تقليدية تتراوح ما بين فاتحة ونابضة بالحياة، بالإضافة إلى ألوان استثنائية أخرى كالأصفر البرتقالي الغامق والأصفر المائل إلى البني.

وبما أننا نملك العديد من الألماسات القيّمة وبعض من أندرها، غالبًا ما يكون تصميم الألماسة الصفراء متحورًا حول الحجر نفسه. فأنا لا أختار الألماسات بناءً على فكرة وردتني، بل أنني أستوحي الفكرة من الحجر ذاته. في محترفنا، نستخدم "هي" للإشارة إلى الألماسات التي تجسّد ذروة الأنوثة.

ومن المهم جدًا أن تتعرّف على الأحجار أكثر عن قرب، ولذلك أقوم بحملها يوميًا بين يدَي. يقع الأستوديو الخاص بنا في لندن مقابل الجهة الشمالية، ما يوفر الضوء المثالي للتحديق بالألماس. وأنا أقضي وقتًا طويلاً في دراسة كل منها، قبل أن أبدأ برسوماتي الأولية بالغواش حتى.

أما الألماس الأصفر بشكل خاص، فأحب استخدامه في الأساور أو الساعات التي تضم أكثر من حجر واحد. ولكننا لا نرى ذلك كثيرًا، لأن غيرنا من المصممين لا يملكون ببساطة تلك الألماسات الصفراء ليبتكروا هذه التركيبات المذهلة بواسطتها.

تتميّز الأساور أو الأقراط المصنوعة من عشرات الألماسات الصفراء بألوان نابضة جدًا بالحياة إلى درجة لا تُصدّق. وتكمن المهارة في جمع هذه الألماسات بشكل ألا تسرق أكثرها غنىً وسطوعًا الأضواء كلها.